باب تفسير حروف الاذان والاقامة
1 - حدثنا أحمد بن محمد بن عبدالرحمن المروزي الحاكم المقرئ، قال: حدثنا أبوعمرو محمد بن المقرئ الجرجاني، قال: حدثنا أبوبكر محمد بن الحسن الموصلي ببغداد، قال: حدثنا محمد بن عاصم الطريفي، قال: حدثنا أبوزيد عياش ابن يزيد بن الحسن بن علي الكحال مولى زيد بن علي، قال: أخبرني أبي يزيد بن الحسن، قال: حدثني موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: كنا جلوسا في المسجد إذا صعد المؤذن المنارة فقال: الله أكبر الله أكبر، فبكى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وبكينا ببكائه، فلما فرغ المؤذن قال: أتدرون ما يقول المؤذن؟ ! قلنا: الله ورسوله ووصيه أعلم، فقال: لو تعلمون ما يقول لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، فلقوله: (الله أكبر) معان كثيرة: منها أن قول المؤذن: (الله أكبر) يقع على قدمه وأزليته وأبديته وعلمه وقوته وقدرته وحلمه وكرمه وجوده وعطائه وكبريائه، فإذا قال المؤذن (الله أكبر) فإنه يقول: الله الذي له الخلق والامر، و بمشيته كان الخلق، ومنه كان كل شئ للخلق، وإليه يرجع الخلق، وهو الاول قبل كل شئ لم يزل، والآخر بعد كل شئ لايزال، والظاهر فوق كل شئ لايدرك، والباطن دون كل شئ لايحد، فهو الباقي وكل شئ دونه فان، والمعنى الثاني (الله أكبر) أي العليم الخبير علم ماكان وما يكون قبل أن يكون، والثالث (الله أكبر) أي القادر على كل شئ، يقدر على ما يشاء، القوي لقدرته، المقتدر على خلقه، القوي لذاته، قدرته قائمة على الاشياء كلها، إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون، والرابع (الله أكبر) على معنى حلمه وكرمه يحلم كأنه لايعلم ويصفح كأنه لايرى ويستر كأنه لايعصى، لا يعجل بالعقوبة كرما وصفحا وحلما، والوجه الآخر في معنى (الله أكبر) أي الجواد جزيل العطاء كريم الفعال، والوجه الآخر (الله أكبر) فيه نفي كيفيته كأنه يقول: الله أجل من أن يدرك الواصفون قدر صفته التي هو موصوف بها وإنما يصفه الواصفون على قدرهم لاعلى قدر عظمته وجلاله، تعالى الله عن
[239]
أن يدرك الواصفون صفته علوا كبيرا، والوجه الآخر (الله أكبر) كأنه يقول: الله أعلى وأجل وهو الغني عن عباده لاحاجة به إلى أعمال خلقه، وأما قوله: (أشهد أن لا إله إلا الله) فإعلام بأن الشهادة لاتجوز إلا بمعرفة من القلب، كأنه يقول: اعلم أنه لامعبود إلا الله عزوجل وأن كل معبود باطل سوى الله عزوجل واقر بلساني بما في قلبي من العلم بأنه لا إله إلا الله، وأشهد أنه لاملجأ من الله إلا إليه ولا منجى من شر كل ذي شر وفتنة كل ذي فتنة إلا بالله، وفي المرة الثانية (أشهد أن لا إله إلا الله) معناه أشهد أن لا هادي إلا الله، ولا دليل لي إلا الله، واشهد الله بأني أشهد أن لا إله إلا الله، واشهد سكان السماوات وسكان الارضين ومافيهن من الملائكة والناس أجمعين، وما فيهن من الجبال والاشجار والدواب والوحوش وكل رطب ويابس بأني أشهد أن لا خالق إلا الله، ولا رازق ولا معبود ولا ضار ولا نافع ولا قابض ولا باسط ولا معطي ولا مانع ولا دافع ولا ناصح ولا كافي ولا شافي ولا مقدم ولا مؤخر إلا الله، له الخلق والامر وبيده الخير كله، تبارك الله رب العالمين، وأما قوله: (أشهد أن محمد رسول الله) يقول: اشهد الله أني أشهد أن لا إله إلا هو، وأن محمد عبده ورسوله ونبيه وصفيه ونجيه أرسله إلى كافة الناس أجمعين بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، واشهد من في السماوات والارض من النبيين والمرسلين والملائكة والناس أجمعين أني أشهدأن محمدا صلى الله عليه واله وسلم سيد الاولين والآخرين، وفي المرة الثانية (أشهد أن محمدا رسول الله) يقول: أشهد أن لا حاجة لاحد إلى أحد إلا إلى الله الواحد القهار مفتقرة إليه سبحانه(1) وأنه الغني عن عباده والخلائق أجمعين، وأنه أرسل محمدا إلى الناس بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فمن أنكره وجحده ولم يؤمن به أدخله الله عزوجل نار جهنم خالدا مخلدا لا ينفك عنها أبدا، وأما قوله: (حي على الصلاة) أي هلموا إلى خير أعمالكم ودعوة ربكم، وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وإطفاء ناركم التي
___________________________________
(1) قوله: مفتقرة بالنصب حال من حاجة باعتبار ذيها، أو بالرفع خبر لمبتدء محذوف اي كل نفس، وليس في النسخ المخطوطة عندي (مفتقرة اليه سبحانه وانه).
[240]
أوقدتموها على ظهوركم، وفكاك رقابكم التي رهنتموها بذنوبكم ليكفر الله عنكم سيئاتكم، ويغفر لكم ذنوبكم، ويبدل سيئاتكم حسنات، فإنه ملك كريم ذو الفضل العظيم، وقد أذن لنا معاشر المسلمين بالدخول في خدمته والتقدم إلى بين يديه، وفي المرة الثانية (حي على الصلاة) أى قوموا إلى مناجاة ربكم وعرض حاجاتكم على ربكم وتوسلوا إليه بكلامه وتشفعوا به وأكثروا الذكر والقنوت والركوع والسجود والخضوع والخشوع، وارفعوا إليه حوائجكم فقد أذن لنا في ذلك، وأما قوله: (حي على الفلاح) فإنه يقول: أقبلوا إلى بقاء لافناء معه ونجاة لاهلاك معها، وتعالوا إلى حياة لاموت معها، وإلى نعيم لانفاذ له، وإلى ملك لازوال عنه، وإلى سرور لاحزن معه، وإلى انس لا وحشة معه، وإلى نور لاظلمة معه(1) وإلى سعة لاضيق معها، وإلى بهجه لا انقطاع لها، وإلى غنى لافاقة معه، و إلى صحه لاسقم معها، وإلى عز لاذل معه، وإلى قوة لاضعف معها، وإلى كرامة يالها من كرامة، وعجلوا إلى سرور الدنيا والعقبى ونجاة الآخرة والاولى، وفي المرة الثانيه (حي على الفلاح) فإنه يقول: سابقوا إلى مادعوتكم إليه، وإلى جزيل الكرامة وعظيم المنة وسني النعمة والفوز العظيم ونعيم الابد في جوار محمد صلى الله عليه واله وسلم في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
وأما قول: (الله أكبر) فإنه يقول: الله أعلى وأجل من أن يعلم أحد من خلقه ما عنده من الكرامة لعبد أجابه وأطاعه و أطاع ولاة أمره وعرفه وعبده واشتغل به وبذكره وأحبه وأنس به وأطمان إليه ووثق به وخافه ورجاه واشتقاق إليه ووافقه في حكمه وقضائه ورضي به، وفي المرة الثانية (الله أكبر) فإنه يقول: الله أكبر وأعلى وأجل من ان يعلم أحد مبلغ كرامته لاوليائه وعقوبته لاعدائه، ومبلغ عفوه وغفرانه ونعمته لمن أجابه و أجاب رسوله، ومبلغ عذابه ونكاله وهو أنه لمن أنكره وجحده، وأما قوله: (لا إله إلا الله) معناه: لله الحجة البالغة عليهم بالرسل والرسالة والبيان والدعوة وهو أجل من أن يكون لاحد منهم عليه حجة، فمن أجابه فله النور والكرامه ومن
___________________________________
(1) في نسخة (ط) و (ن) (والى نور لاظلمة له).
[241]
أنكره فإن الله غني عن العالمين، وهو أسرع الحاسبين، ومعنى (قد قامت الصلاة) في الاقامة أي حان وقت الزيارة والمناجاة وقضاء الحوائج ودرك المنى، والوصول إلى الله عزوجل، وإلى كرامته وغفرانه وعفوه ورضوانه.
قال مصنف هذا الكتاب: إنما ترك الراوي لهذا الحديث ذكر (حي على خير العمل) للتقية.
2 - وقد روي في خبر آخر أن الصادق عليه السلام سئل عن معنى (حي على خيرالعمل) فقال: خير العمل الولاية.
وفي خبر آخر خير العمل بر فاطمة وولدها عليهم السلام(1).
________________________________________
(1) أقول: ويحتمل أن أمير المؤمنين عليه السلام لم يفسرها لانه عليه السلام فسرما قال المؤذن و المؤذن من العامة لم يكن يقولها، واما الشهادة بالولاية فشاعت بين الشيعة باذن وترغيب من الصادق عليه السلام على مافي حديث مذكور في محله.